تتكامل العلوم العقدية في بناء صرح الحقيقة، ومن ثَمَّ فإن بعضًا منها يتحد في الوجهة الفكرية إلى غاية واحدة، وإن اختلف في المنهج، وعلى سبيل المثال يتناغم علم الكلام ولا ريب مع علم التصوف، ومن ثَمَّ نجد أنماطًا خاصة للعلماء البنائين فيصنف العالم من ذلك المنظور التكاملي بين العلوم، فيعالج القضايا الكلامية من حيث لا يتغافل عن الرؤى الصوفية التي أسهمت في حل هذه الإشكالات، ولا ضير في ذلك طالما كان العالم متمكنًا من تلك العناصر العلمية، وبعيدًا عن التجاوزات المفرطة في الاعتداد بالعقل أو التسليم لدلالات الكشف، وكان خير من تلألأ في هذه الوجهة العلمية: الإمام البيجوري - رحمه الله تعالى - في شرحه على جوهرة التوحيد، حيث انبعث وميض اللطائف الصوفية من خلفياته الكلامية، ومن ثَمَّ كان بحثي هذا ليحلل مجموعة من القضايا الكلامية من خلال المنظور الصوفي لها، مقتصرًا في ذلك على تلك اللطائف الصوفية التي جاءت على لسان الإمام البيجوري ونسبها إلى الصوفية عامة، أو إلى عالم صوفي على وجه الخصوص في مصنفه: (تحفة المريد على جوهرة التوحيد) وقد عضد بها الأمام أدلته أحيانًا وقوَّم تلك اللطائف أحيانًا أخرى، فجاءت تعليقاته كعقد فريد جمعت إلى غذاء العقل نسيم الروح، وإلى طريق النظر طريق التصفية، وكونت نظرة تكاملية مثالية، حتى كأننا أمام علم كلام عرفاني أو تصوف استدلالي. وقد كان من أسباب اختيار هذا الموضوع هو رسم صورة واضحة القسمات للآراء الصوفية التي نبَّه عليها الإمام البيجوري في شرح الجوهرة. وقد اقتضت طبيعة البحث أن ينقسم إلى مقدمة، وتمهيد، وأربعة مباحث، وخاتمة، أما المقدمة فتتضمن أهمية الموضوع، وأسباب اختياره ومنهج البحث وخطته، وأما التمهيد فيتناول العلاقة بين علم الكلام وعلم التصوف، وأما الخاتمة فتتضمن أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال هذا البحث.